ذكر الخوري عيسى أسعد في كتابه"تاريخ حمص" أن الزراعة بلغت في الحقبة
السلوقية (301 ال64 ق م ) " درجة هامة ، لا في حمص فحسب، بل في سورية كلها
، ولاسيما ما أتصل مها بحمص اتصالا مباشرا... والأراضي الممتدة من شرقي
حمص حتى الموضع المسمى الآن القرقلس ، كانت عبارة عن غابات من الزيتون لا تنتهي احداها حتى تبتدئ الأخرى . وقد
وجد الأثريون ، ولاسيما المهندس النمساوي يوسف شرنيك والعالم شاس آثار
عشرين رحى ضخمة ونيف لعصر الزيتون في هذه البقعة". ( تاريخ حمص ، القسم
الأول ، ص 287). لم نجد مصدرا قديما أو حديثا كهذا تحدث عن زراعة الزيتون
في منطقتنا. لذلك سنعتمد على شهادة الآثار الباقية . ذكر لنا الدكتور محمد
الدبيات أن بعثة فرنسية كان يرافقها، اكتشفت أحجار رحى سنة 1997 في أراضي
قرية الشاكوسية شمال شرق السعن ، وكذلك وجدت في أراضي قرية حجيلة في ناحية
السعن آثار حقل زيتون . وذكر أيضا أن البعثة الفرنسية التي اكتشفت موقع
الروضة الأثري شرقي ناحية السعن وجدت بذور حبات زيتون في أحد مطابخ الموقع
. وفي مقال للأستاذ حسن علي القطريب قرأته في أحدى نشرات جمعية العاديات
في سلمية الدورية، ذكر أنه رأى عندما كان مشاركا في رحلة للجمعية
الجغرافية الى موقع رسم أسطبل عنتر(ناحية السعن) أوائل الثمانينات، حجر
رحى معصرة زيتون. كما ذكر لي الأستاذ محمد الجندي ( أبو وضاح ) أنه رأى في
قرية ام ميل شرقي سلمية ثلاث أحجار رحى لعصر الزيت مع ثلاثة خزانات أرضية
للزيت .. ووجود هذه الخزانات يدل الى سعة انتشار أشجار الزيتون في تلك
المنطقة. وروى لي أخيرا أحد سكان قرية الخريجة القريبة من أم ميل، أنه رأى
في موقع واحد رحى كبيرا بقطر يزيد عن المترين وأخرى بقطر يزيد قليلا عن
المتر. ان وجود رحى المعاصر هذه في أماكن مختلفة من منطقة سلمية يدل على
أن كلام المهندس النمساوي عن غابات الزيتون شرق حمص ينسحب شمالا على
امتداد المنطقة الواقعة ضمن منطقة سلمية، وبالتحديد ضمن أراضي ناحية
عقيربات وناحية السعن .
مما تقدم نستنتج أن زراعة الزيتون الحديثة ليست جديدة على المنطقة، بل كان
لها ماض زاهر في الماضي بداية من العصر السلوقي وحتى نهاية الفترة
البزنطية. وعندما وضعنا عنوانا لهذا المقال " الزيتون يستعيد ماضيه " ،
يتبادر الى الذهن سؤال: الى أي مدى وصلت اليه زراعته قياسا على ذلك
الماضي؟