هذه القصيده من أروع و أنفس القصائد العربية لأبن زُريق البغدادي حيث عاش في بداية العصر العباسي
وكان فقيراً معدم يقتات من شعره و في مدح الكرام و لكنه لم يعطي يوماً نوالاُ كفاه بقية عمره و كان مسرف لكل ما يعطى فكان يسافر من بلد إلى بلد ليشعر و يسترزق من حرفته و مهنته التي يعرفها و هي الشعر فقط وكان مولعاً بأبنة عمه و كلف بها و تواعدا على الزواج و لكن أحواله المادية دوماً كانت حائلاً بينهما .
فأراد يوماً الذهاب إلى الأندلس ليمدح عبد الرحمن الداخل حيث علم أنه يُجزل العطاء للشعراء
فأبت عليه أبنة عمه و ألحت في أن يعدل عن رأيه و ان يجلس في بغداد و يتزوجا و يرضيا بعيشهم
و لكنه أبى عليها و أصر على الذهاب إلى الأندلس .
فقطع القفار و البحار و البلدان
حتى وصل اندلس و حضر بين يدي أميرها و مدحه بقصيدة جيده و لكن الأمير لم يعطه إلا عطاءً قليلاً زهيداً لا يوازي ما عاناه الشاعر للمجيء له( يقال ديناراً واحداً) فقال حسبي الله لقد قطعت البحار و القفار إلى هذا الرجل أرجو نـواله و لم يعطني إلا هذا فحزن حُزنا شديداً *****
ومضى إلى خانً في الأندلس و بعد يوم سأل الأمير عن أبن زريق فقيل له أنه في الخان وكان الأمير قاصداً ن يعطيه في يومه الأول عطاءً قليلاً ليختبره ماذا يفعل
فقال الأمير: أحضرو أبن زريق إلي
فلما ذهبوا إلى الخان وجدوه مـيـتـاً
و بجنبه هذه القصيده
لا تعذليه فإن العذل يولعه *** قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حداً أضرّ به *** من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً *** من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالبين يحمله *** فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التفنيد أن له *** من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه *** رأي إلى سفر بالعزم يجمعه
كأنما هو في حل ومرتحل *** موكل بفضاء الله يذرعه
تأبى المطامع إلا أن تجشمه *** للرزق كداً ، وكم ممن يودعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة *** رزقاً ولا دعة الإنسان تقطعه
والله قسم بين الخلق رزقهم *** لم يخلق الله مخلوقاً يضيعه
والدهر يعطي الفتى ما ليس يطلبه *** يوماً ويطمعه من حيث يمنعه
أستودع الله في بغداد لي قمراً *** بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني *** صفو الحياة وإني لا أودعه
وكم تشفع بي أن لا أفارقه *** وللضرورات حال لا تشفعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى *** وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب العذر منخرق *** عني بفرقته لكن أرقعه
أعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته *** كذاك من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا *** شكر عليه ، فعنه الله ينزعه
اعتضت من وجه خلي بعد فرقته *** كأساً تجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذنب البين قلت له *** الذنب – والله – ذنبي لست أدفعه
ما كنت أحسب ريب الدهر يفجعني *** به ، ولا أن بي الأيام تفجعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني *** به كما أنه بي لا يمتعه
علماً بأن اصطباري معقب فرجاً *** فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا *** جسمي تجمعني يوماً وتجمعه
وإن ينل أحد منا منيته *** فما الذي في قضاء الله نصنعه ؟
د.جهاد
منقوووووول[/color]