تابع :
لقد تحدث القرآن كثيراً عن يهوده وشرح نفسياتهم الشريرة وليس مصادفة أن يفصل القرآن هذا فإن تاريخ أمة من الأمم لم يشهد ما شهده تاريخ بني إسرائيل من قسوة وجحود وتنكر للهداة فقد قتلوا وذبحوا ونشروا بالمناشير عدداً من أنبيائهم - وهي أشنع فعلة تصدر من أمة مع دعاة الحق المخلصين - وقد كفروا أشنع كفر واعتدوا . .
أشنع الاعتداء وعصوا أبشع معصية وكان لهم في كل ميدان من هذه الميادين أفاعيل ليست مثلها أفاعيل ! !
ومخاليق تقتل الأنبياء وتذبحهم وتنشرهم بالمناشير لا ينتظر منها إلا استباحة دماء البشر واستباحة كل وسيلة قذرة تنفس عن أحقادهم وفسقهم . والقرآن الكريم يقص علينا العجب من سلوك يهود العجيب : (( قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبه بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين . . من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين )) . في قصة هذا التحدي نطلع على سمة أخرى من سمات اليهود . . . سمة عجيبة حقاً . . لقد بلغ هؤلاء القوم من الحنق والغيظ من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغاً يتجاوز كل حد . .
وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم في عقل . .
لقد سمعوا أن جبريل ينزل بالوصي من عند الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ولما كان عداؤهم لمحمد قد بلغ مرتبة الحقد والحنق فقد لج بهم الضغن أن يخترعوا قصة واهية وحجة فارغة فيزعموا أن جبريل عدوهم لأنه ينزل بالهلاك والدمار والعذاب ، وأن هذا هو الذي يمنعهم من الإيمان بمحمد من جراء صاحبه جبريل ، ولو كان الذي ينزل بالوحي هو ميكائيل لآمنوا فميكائيل يتنزل بالرخاء والمطر والخصب . إنها الحماقة المضحكة . . . ولكن الغيظ والحقد يسوقانه إلى كل حماقة وإلا فخاب لهم يعادون جبريل ؟ وجبريل لم يكن بشراً يعمل معهم أو ضدهم ولم يكن يعمل بتصميم من عنده وتدبير ؟ إنما عبد الله يفعل بأمره ولا يعصي الله ما أمره ! ويمتد حقد اليهود الأسود من جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وكان الذي حملهم على هذا كله هو حسدهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختاره الله للرسالة التي انتظروها فيهم وحقدهم لأن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . .
وهذه الطبيعة التي تبدو هنا في اليهود هي الطبيعة الكنود . طبيعة الأثرة الضيقة التي تحيا في نطاق من التعصب شديد ، وتحس أن كل خير يصيب سواها كأنما هو متقطع منها ولا تشعر بالوشيجة الإنسانية الكبرى التي تربط البشرية جمعاء .وهكذا عاش اليهود في عزلة .يحسون أنهم فرع مقطوع من شجرة الحياة ويتربصون بالبشرية الدوائر ويكنون للناس البغضاء ، ويعانون عذاب الأحقاد والضغائن ويذيقون البشرية رجع هذه الأحقاد فتنا يوقدونها بين بعض الشعوب وبعض ، وحروبا يثيرونها ليجروا من ورائها الغنائم ، ويروون بها أحقادهم التي لا تنطفء ، وهلاكا يسلطونه على الناس ، ويسلطه عليهم الناس . . . وهذا الشر كله إنما نشأ من تلك الأثرة البغيضة : (( بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده )) .وحقد اليهود الأسود على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن وعلى الإسلام جعلهم يؤثرون الشرك - وهم أهل كتاب - على الإسلام .وهم اليوم يؤثرون الشيوعية .. أي صلة أخرى فاسدة على هذا الدين بل أنهم ينشئون هذه المذاهب الإلحادية [5] لمحاربة الإسلام !عن محمد بن إسحاق قال - بإسناده عن جماعة - : إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري ، وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحقيق النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ، ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت قريش : يا معشر يهود . . إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه ؟؟ قالوا - اليهود- بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه !!! فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين أمنوا سبيلا )) إلى قوله تعالى : (( أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله . . )) ؟ فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسـتعدوا له . وصدق الله العظيم : (( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا . . ))
إن صيغة العبارة تحتمل أن تكون خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم وأن تكون كذلك خطابا عاما خرج مخرج العموم لأنه يتضمن أمرا ظاهرا مكشوفا يجده كل إنسان .فإذا تقرر هذا فإن الأمر الذي يلفت النظر في صياغة العبارة هو تقديم اليهود على الذين أشركوا في صدد أنهم أشد عداوة للذين آمنوا ، وإن شدة عداوتهم ظاهرة مكشوفة وأمر مقرر يراه كل من يرى ويجده كل من يتأمل !!نعم إن العطف بالواو في التعبير العربي يفيد الجمع بين أمرين ولا يفيد تعقيبا ولا ترتيبا . . ولكن تقديم اليهود هنا حيث يقوم الظن بأنهم أقل عداوة للذين آمنوا من المشركين - بما أنهم أهل كتاب - يجعل لهذا التقديم شأنا خاصا غير المألوف من العطف بالواو في التعبير العربي !!
إنه - على الأقل - يوجه النظر إلى أن كونهم أهل كتاب لم يغير من الحقيقة الواقعة وهي أنهم كالذين أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا !!
ونقول : إن هذا (( على الأقل )) ولا ينفي هذا احتمال أن يكون المقصود هو تقديمهم في شدة العداء على الذين أشركوا .وحين يستأنس الإنسان في هذا التقرير الرباني بالواقع التاريخي المشهود منذ مولد الإسلام حتى اللحظة الحاضرة فإنه لا يتردد في تقرير أن عداء اليهود للذين آمنوا كان دائما أشد وأقسى وأعمق إصرارا وأطول أمدا من عداء الذين أشركوا .لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام بالمدينة ، وكادوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه أمة ، وتضمن القرآن من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الآمة المسلمة في تاريخها الطويل والتي لم تخب لحظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا وما تزال حتى اللحظة [6] يتسعر أوارها في أرجاء الأرض جميعا .لقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم أول مقدمه إلى المدينة ، معاهدة تعايش مع اليهود ، ودعاهم إلى الإسلام الذي يصدق ما بين أيديهم من التوراة ، ولكنهم لم يفوا بهذا العهد ، شأنهم في هذا كشأنهم مع كل عهد قطعوه مع ربهم أو مع أنبيائهم من قبل حتى قال الله فيهم : (( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون * أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون * ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون )) .ولقد أضمروا العداء للإسلام والمسلمين منذ اليوم الأول الذي جمع الله فيه الأوس والخزرج على الإسلام فلم يعد لليهود في صفوفهم مدخل ولا مخرج ، ومنذ اليوم الذي تحددت فيه قيادة الأمة المسلمة وأمسك بزمامها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تعد لليهود فرصة للتسلط .ولقد استخدموا كل الأسلحة والوسائل التي تفتقت عنها عبقرية المكر اليهودية وأفادتها منذ قرون السبي (( في بابل )) والعبودية في مصر . .
والذل في الدولة الرومانية . . ومع أن الإسلام قد وسعهم بعد ما ضاقت بهم الملل والنحل على مدار التاريخ فإنهم ردوا للإسلام جميله عليهم أقبح الكيد وألأم المكر منذ اليوم الأول .ولقد ألبوا على الإسلام والمسلمين كل قوى الجزيرة العربية المشركة وراحوا يجمعون القبائل المتفرقة لحرب الجماعة المسلمة : (( ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا )) ولما غلبهم الإسلام بقوة الحق استداروا يكيدون له بدس المفتريات في كتبه - لم يسلم إلا كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه سبحانه - ويكيدون بالدس بين صفوف المسلمين . .
وإثارة الفتن عن طريق استخدام حديثي العهد بالإسلام ومن ليس لهم فيه فقه من مسلمة الأقطار . . ويكيدون له بتأليب خصومه عليه في أنحاء الأرض . . حتى انتهى بهم المطاف أن يكونوا في العصر الأخير هم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة . . وهم يقيمون الأوضاع ويصنعون الأبطال الذين يتسمون بأسماء المسلمين . .ويشنوها حربا صليبية صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين !!
وصدق الله العظيم : (( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والدين أشركوا )) إن الذي ألب الأحزاب على الدولة المسلمة الناشئة في المدينة ، وجمع بين اليهود من بني قريظة وغيرهم وبين قريش من مكة وبين القبائل الأخرى في الجزيرة . . .
يهودي .والذي ألب العوام ، وجمع الشراذم ، وأطلق لشائعات في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وما تلاها من النكبات . . .
يهودي .والذي قاد حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الروايات والسير . . .
يهودي .ثم إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة عن الحكم واستبدال (( الدستور )) بها في عهد السلطان عبد الحميد ثم انتهت بإلغاء الخلافة جملة على يدي (( البطل )) أتاتورك . . . يهودي .وسائر ما تلا ذلك من الحرب المعلنة على طلائع البعث الإسلامي في كل مكان على وجه الأرض وراءه يهود !!ثم لقد كان وراء النزعة المادية الإلحادية (( يهودي )) ووراء النزعة الحيوانية يهودي . . . ووراء هدم الأسرة والروابط المقدسة في المجتمع . . . يهودي [7] . .ولقد كانت الحرب التي شنها اليهود على الإسلام أطول أمد ، وأعرض مجالا من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون - على ضراوتها - قديما وحديثا ، إن المعركة مع مشركي العرب لم تمتد إلى أكثر من عشرين عاما في جملتها ، وكذلك المعركة مع فارس في العهد الأول . . . أما في العصر الحديث فإن ضراوة المعركة بين الوثنية الهندية والإسلام ضراوة ظاهرة ولكنها لا تبلغ ضراوة الصهيونية العالمية (( التي تعد ماركس مجرد فرع لها )) . إن لقصة بني إسرائيل التي فصلها القرآن أوسع تفصيل حكمة متشعبة الجوانب.. من جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أول من واجه الدعوة الإسلامية بالعداء والكيد والحرب في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها . فقد كانوا حربا على الجماعة المسلمة منذ اليوم الأول ، وهم الذين احتضنوا النفاق والمنافقين في المدينة وأمدوهم بوسائل الكيد للعقيدة وللمسلمين جميعا . . وهم الذين حرضوا المشركين وواعدوهم وتآمروا معهم على الجماعة المسلمة . . كما تولوا بث الشبهات والشكوك والتحريفات حول العقيدة وحول القيادة . .
وذلك كله قبل أن يسفروا بوجوههم في الحرب المعلنة الصريحة ، فلم يكن بد من كشفهم للجماعة المسلمة لتعرف من هم أعداؤها ؟ وما طبيعتهم ؟ وما وسائلهم ، وما حقيقة المعركة التي تخوضها معهم ؟ ولقد علم الله سبحانه أنهم هم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله ، كما كانوا أعداء هدي الله في ماضيهم كله ، فعرض لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفا. .
ووسائلهم كلها مكشوفة. ومن جوانب هذه الحكمة أن بني إسرائيل هم أصحاب آخر دين قبل دين الله الأخير وقد امتد تاريخهم قبل الإسلام فترة من التاريخ طويلة . .
ووقعت الانحرافات في عقيدتهم ووقع منهم النقض المتكرر لميثاق الله معهم ووقع في حياتهم آثار هذا النقض وهذا الانحراف . .
كما وقع في أخلاقهم وتقاليدهم فاقتضى هذا أن تلم الأمة المسلمة - وهي وارثة الرسالات كلها وحاضنة العقيدة الربانية بجملتها - بتاريخ القوم . .وتقلبات التاريخ ، وتعرف مزالق الطريق وعواقبها ممثله في حياة بني إسرائيل وأخلاقهم ، لتضم هذه التجربة - في حقل العقيدة والحياة - إلى حصيلة تجاربها وتنتفع بهذا الرصيد وتنفع على مدار القرون ولتتقي - بصفة خاصة - مزالق الطريق ومداخل الشيطان ، وبوادر الانحراف ، على هدي التجارب الأولى .. ومن جوانب هذه الحكمة أن تجربة بني إسرائيل ذات صحائف شتى في المدى الطويل ، وقد علم الله أن الأمة حين يطول عليها الأمد تقسو قلوبها وتنحرف أجيال منها ، وأن الأمة المسلمة التي سيمتد تاريخها حتى تقوم الساعة . .
ستصادفها فترات تمثل فيها فترات من حياة بني إسرائيل ، فجعل الله أمام أئمة الأمة وقادتها ومجددي الدعوة في أجيالها الكثيرة نماذج حية من العراقيل التي تلم بالأمم ، يعرفون منها كيف يعالجون الداء بعد معرفة طبيعته . وبعد فإن المعركة بين الإسلام ويهود لا تزال دائرة وستظل كذلك لأن اليهود لا يرضون إلا بتدمير هذا الدين .كانوا - بعد أن غلبهم الإسلام - يحاربون هذا الدين بالمؤامرات والدسائس وتحريك عملائهم في الظلام .أما اليوم فقد ازدادت المعركة ضراوة وسفورا و تركيزا بعد أن جاءوا من كل فج وأعلنوا أنهم أقاموا إسرائيل .كانت أطماعهم ترف من بعيد إلى بيت المقدس ، أما اليوم فهم منه على بعد خطوات . . ولا يكف أطماعهم إلا أن يغلبهم الإسلام .. .
فقد أفسد اليهود في الأرض المقدسة فبعث الله عليهم عبادا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا .لكن على المسلمين - وهم يتأهبون للمعركة - أن يفهموا قرآنهم ، لقد كانت رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير ، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا ، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله ، واشتمال رسالته على هذه المقدسات ، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان ، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها للنظرة الأولى .وسوف ينازع بنو إسرائيل المسلمين في وراثة المسجد الأقصى .وسوف تدور المعركة .(( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليك عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا )) .فهذه هي الأولى :
يعلون في الأرض المقدسة ، ويصبح لهم فيها قوة وسلطان ، فيفسدون فيها فيبعث الله عليهم عبادا من عباده أولي بأس شديد ، وأولي بطش وقوة . .
يستبيحون الديار . .
ويروحون فيها ويغدون باستهتار . .
ويطؤون ما فيها ومن فيها بلا تهيب .
(( وكان وعد الله مفعولا )) لا يخلف ولا يكذب .وتتكرر قصة الإفساد . . ويتكرر الإذلال والطرد .وكلما عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء من جنس حاضر والسنة ماضية (( وإن عدتم عدنا )) .ولقد عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة العربية كلها . .
ثم عادوا إلى الإفساد فسلط الله عليهم عبادا آخرين ، حتى كان العصر الحديث فسلط الله عليهم (( هتلر )) ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة (( إسرائيل )) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ، تصديقا لوعد الله القاطع (( وإن عدتم عدنا )) ووفاقا لسنته التي لا تختلف وإن غدا لناظره قريب !! ولا يهولن المسلم ما يراه من قوة وتهديد فانهم (( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى )) . والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم وترى عصبيتهم بعضهم لبعض ، كما نرى تجمع المنافقين أحيانا في معسكر واحد . . ولكن الخبر الصادق من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم ، إنما هو مظهر خارجي خادع . وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع ، فيبدو من ورائه صدق الخبر في دنيا الواقع المنظور . .
وما صدق المؤمنون مرة وتجمعت قلوبهم على الله حقا إلا وانكشف المعسكر الآخر أمامهم عن هذه الاختلافات وهذا التضارب وهذا الرياء الذي لا يمثل حقيقة الحال . وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا التماسك بين أهل الباطل يتفسخ وينهار . وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في (( تشخيص )) حالة الكافرين حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان زفي أي مكان بشكل واضح للعيان . ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة بين المؤمنين الفدائيين وبين اليهود مصداق هذا الخبر بصورة عجيبة فما كانوا يقاتلونهم إلا في المستعمرات المحصنة في أرض فلسطين . .
فإذا انكشفوا لحظة واحدة ولو الأدبار كالجرذان حتى لكأن هذه الآية نزلت فيهم ابتداء وسبحان العليم الخبير !! [8]
-------------------------
[5] - لا تتصوروا أن تصريحاتنا جوفاء ، ولا حظوا هنا أن نجاح ماركس قد رتبناه من قبل . . . ونحن على الدوام نتبنى الشيوعية ونحتضنها متظاهرين بأننا نساعد العمال طوعا لمبدأ الأخوة والمصلحة الإنسانية . وهذا ما تبشر به الماسونية .. البروتوكول الثاني والثالث .
[6] - صرخ جنود اليهود وهم يدخلون القدس في يونيو 1967 (( محمد مات ، وخلف بنات )) .
[7] - هؤلاء بالترتيب هم ماركس .. فرويد .. دركايم .
[8] - نقلا عن كتيب " معركتنا مع اليهود " طبع دار الشروق - لبنان – للسيد قطب عليه الرحمة