نعم هنا في سوريا وداعاً للداء السكري
الدكتور محمد عاصم قبطان
أستاذ في علوم الجراحة ، زميل في الكلية الملكية البريطانية للجراحين
يوماً ما اعتبر التيفوئيد من الأمراض القاتلة ، و كانوا يحسبون السل من الأمراض المستعصية على المعالجة ، ثم تقدمت العلوم الطبية و أصبحت هذه الأمراض و غيرها قابلة للعلاج و بنتائج مؤكدة . و في العالم المتقدم و منذ سنوات قليلة ماضية كان المرضى المصابون بالداء السكري من النموذج الثاني ينعون حظهم العاثر في كونهم سيقضون حياتهم مع المعاناة من هذا الداء اللعين ، و أنهم جميعاً مقبلون في النهاية على تناول الإنسولين حقناً تحت الجلد و في معظم الأحوال مرتين يومياً ، ناهيك عن الاختلاطات المرافقة ، كالتهاب الأعصاب السكري الذي يتجلى بالخدرو النمل في الأطراف السفلية ، و القرحات السكرية ، و تصلب الشرايين ، و ارتفاع التوتر الشرياني ، و ، و ، و، و، .
بعد طول انتظار أقبل القرن الجديد الواحد و العشرون ، و أقبلت معه المفاجئة ، نعم لقد أصبح الداء السكري داءً جراحياً تشفيه الجراحة ، و يشفى معه ارتفاع التوتر الشرياني ، و آلام المفاصل ، و تشحم الكبد ، و البدانة .
في أمريكا ، و في بريطانيا و في فرنسا ، و في إيطاليا ، و في ألمانيا و غيرها من البلاد المتقدمة ، أصبح الداء السكري من الأمراض التي تشفى بالجراحة الاستقلابية ، و لكن ... لحظة .... أيضاً هنا في سوريا أصبح الداء السكري من الأمراض الشافية بالجراحة الاستقلابية .
الجراحة الاستقلابية .
نقول هذه الجراحة هي جراحة نوعية اختصاصية لمعالجة الداء السكري ، و ارتفاع التوتر الشرياني ، و ارتفاع الكوليستيرول ، و تشحم الكبد.
لقد أصبح واضحاً من خلال الدراسات في السنوات الأخيرة أن الجهاز المعدي المعوي و الأمعاء الدقيقة بشكلٍ خاص تلعب دوراً دقيقاً في تنظيم مستوى سكر الدم ، و استقلاب الشحوم ، و في ضبط الشهية و وزن الجسم ، و إن اضطراب هذه الآليات سينتهي بحدوث الداء السكري من النموذج الثاني الذي يصيب الكهول ، وهو يختلف عن الداء السكري الشبابي الذي يحدث خلقياً .
لقد ثبت أن التداخل الجراحي في المرضى الكهول المصابين بالداء السكري النموذج الثاني ، على التسلسل التشريحي للجهاز المعدي المعوي يؤدي إلى تحسن واضح في الداء السكري يصل بمستوى السكر في الدم إلى الحدود الطبيعية ، و الاستغناء عن تناول الإنسولين أو الأدوية الخافضة للسكر الفموية ،.
إن هذا التحسن في الداء السكري يمثل ثورة في تاريخ معالجة الداء السكري الذي اعتبرَ من الأمراض المزمنة و الغير قابلة للتراجع .
لقد أجمع العلماء في علوم الغدد و الداء السكري و فيزيولوجيا الجهاز المعدي المعوي إبتداءً من مؤتمر جراحة الداء السكري الذي عقد في روما إيطاليا خلال شهر آذار لعام 2007 و ما تلاه ، على أن هذه النقلة التاريخية ، تمثل خياراً جديداً لمعالجة الداء السكري لدى الكثيرين من المرضى السكريين بعد إجراء الدراسات السريرية و المخبرية الخاصة و التي يمكن أن تؤهلهم لهذا النوع من المعالجة الجديدة ، و من الجدير بالذكر أن فرص إجراء هذه المعالجة الجراحية قابلة للتطبيق بواسطة الجراحة التنظيرية التي رسخت أقدامها في العديد من الجراحات المختلفة منذ أواخر القرن الماضي .
بناءً على ذلك فإن العديد من المراكز الطبية العالمية بدأت بمعالجة المرضى السكريين الذين تنطبق عليهم الشروط الخاصة لمثل هذه الجراحات و أصبحت الجراحة الاستقلابية إجراءً معترفاً به في معظم الدول المتقدمة .
و تقول تقارير الجمعية الأمريكية للداء السكري ( أن هناك ما يقرب من 21 مليون مواطن أمريكي مصابون بالداء السكري نموذج 2 و الثابت بأنه غير قابل للشفاء النهائي بالمعالجة الدوائية الحاضرة .و لا تزال المقاومة للمعالجة بالإنسولين في تزايد عالمياً . من المعروف أن البدانة تزيد في خطورة الإصابة بالأمراض الإستقلابية ، و على الأقل فهي تزيد المقاومة للإنسولين ) .
إن الجراحة الاستقلابية يمكن أن تقدم للمريض السكري الشفاء التام ، و في الحقيقة فإن مستوى التحسن في الداء السكري بعد الجراحة الاستقلابية لا يمكن مقارنته بنتائج المعالجة الدوائية للداء السكري .
و يقول البروفسور كورت رئيس قسم الجراحة في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا ، الولايات المتحدة الأمريكية : ( تصور أن يراجعك مريض في العيادة الخارجية بشكوى داء سكري وهو يتناول معالجة فموية أو بالإنسولين ، و حمية قليلة الملح لإصابته بارتفاع التوتر الشرياني ، و يسألك عن تدبير للداء السكري ، يبدو من السخف أن لا تنصحه بإجراء الجراحة الاستقلابية ) نقلاً عن مجلة إنكلترا الجديدة الطبية ( (N. Engl. J. Med. 2007;357:741-52 and 753-6
إن الخبرة السورية في هذا المجال توصلت إلى نفس النتائج العالمية و في أكثر من حالة تراجع سكر الدم من 400 ميلي غرام إلى 96 ميلي غرام و تراجع التوتر الشرياني من 230/160 إلى 130/75 .
المصدر :http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-136419.html